أمة لا اسم لها - د. نادر كاظم
أمة لا اسم لها - د. نادر كاظم
ما الأمة؟ وهل يُولد الناس أمّة أم إنهم يصيرون أمّة؟ وهل الأمة مسألة اختيار أم إنها مسألة مقرّرة سلفًا في جيناتنا وجماعاتنا الأصلية؟ لرابندرانات طاغور (1861-1941)، الشاعر والكاتب الهندي المعروف، رواية بعنوان “غورا”، وتدور أحداثها في كلكتا في ثمانينيات القرن التاسع عشر إبان الحكم البريطاني للهند. و”غورا”، وهو اسم بطل الرواية، كان فتى أشقر، لكنه كان هندوسيًا شديد التديّن، وقوميًّا متعصبًا ومعاديًا لـكل ما هو إنجليزيّ. كان يؤمن بأن الهند هندوسية، وأن “الهندوس يشكّلون أمة، بل أمة ممتدّة”، وبأن انتماءه إلى هذه الأمة المقدّسة مسألة استحقاق ومقرّرةٌ سلفًا حتى قبل الولادة بزمن طويل. ثم يتبيّن، مع تطوّر أحداث الرواية، أن غورا لم يكن هندوسيًّا بالولادة، بل كان ابن عائلة بريطانية (إيرلندية الأصل)، وأن والده الإيرلندي قُتل في تمرّد الهند في العام 1857. هكذا اكتشف غورا، فجأةً، أنه إيرلندي بالولادة، وأن الدم الذي يجري في عروقه دم إيرلندي لا هندي ولا هندوسي. شعر غورا، في البداية، بأن الأرض التي يقف عليها قد انهارت، وأنه أصبح فجأة في المهبّ، ومعلّقًا في الهواء. إلا أنه شعر، أيضًا، بشيء من الارتياح كما لو أنه ألقى عن كاهله عبئًا ثقيلًا، فصار حرًّا في أن يكون ما يريد، وكأن حياته تبدأ من جديد. حسم طاغور المسألة عندما جعل غورا يختار، في نهاية الرواية، أن يكون إنسانًا وطنيًّا ينتمي إلى كل الهند بهندوسها ومسلميها ومسيحيّيها ومختلف دياناتها، ضاربًا عرض الحائط بالدم الإيرلنديّ الذي يجري في عروقه، وبالأصل الهندوسيّ المتوهّم الذي تنشّأ عليه.