يقول زكريا إفيلوغلو في كتابه الملهم “فكر جيدًا تعش سعيدًا” إن “الحياة بحرٌ لا يمكنك العبور إلى شاطئه الآخر دون سعي.” لوهلة قد تبدو العبارة مألوفة، لكن تأملها يكشف عمقًا أكبر؛ فهي دعوة لتقبل فكرة أن الحياة بكل ما فيها من تقلبات، ليست طريقًا مستويًا، وإنما رحلة في بحر مليء بالمفاجآت.
كثيرًا ما نقف على ضفاف الحياة مترددين، نرغب في الوصول إلى الجانب الآخر، حيث نعتقد أن الراحة، السعادة، أو النجاح بانتظارنا. لكن بيننا وبين ذلك الشاطئ بحر لا يمكن عبوره إلا بالسعي. ليس السعي فقط بمعنى العمل الجاد، بل بالسعي لفهم أنفسنا، مواجهة مخاوفنا، والقدرة على الاستمرار حتى وإن اشتدت العواصف.
أتذكر صديقًا حاول مرارًا تحقيق حلمه في أن يصبح كاتبًا. في كل مرة كان يرسل نصوصه إلى ناشر ما، يتلقى رفضًا باردًا. كان يحدثني عن شعوره وكأنه يغرق وسط بحر من الفشل. لكنه استمر، تعلم، وحسن أسلوبه، حتى أصبحت كتاباته اليوم مصدر إلهام لآلاف القراء. ذلك الشاطئ الذي وصل إليه لم يكن صدفة، بل نتيجة إيمانه بأن كل موجة يتخطاها تقربه خطوة.
في أوقات أخرى، قد نشعر أننا نغرق لأن الأمواج أكبر منا. تجربة فقد عزيز مثلًا قد تتركنا بلا اتجاه. لكن البحر، حتى في هيجانه، يعلمنا أن نتماسك. ربما علينا أن نصنع طوق نجاة من الذكريات الجميلة أو نجد القوة في مساعدة الآخرين الذين يواجهون نفس الألم. البحر نفسه يحمل توازنًا بين الشدة والهدوء، وكأنما يدعونا لنعكس ذلك في حياتنا.
الحياة لا تعطي ضمانات بأنها ستكون عادلة أو سهلة. لكنها تمنحنا دومًا فرصة أن نصبح بحّارة أفضل. يقول ألبر كامو في إحدى تأملاته: “لا يمكن للإنسان أن يكتشف محيطات جديدة ما لم يكن لديه الشجاعة أن يبتعد عن الشاطئ.” ربما هذه هي الحياة كما وصفها إفيلوغلو: ليست في انتظارنا على الشاطئ، بل في الشجاعة أن نخوض البحر، بغض النظر عن وجهتنا.