كان وقتها كمن ضربته صاعقة فأخرست لسانه، ومحت عقله ودقت مسامير الخلاص بقلبه، تحجر الدمع في عينيه رغم ما به من ألم يتطلب إطلاق ملايين الصرخات، فقط اتجه للصمت والسكون في هذا الليل الذي لا يكفيه ألاف الآهات المتتالية حتى يخرج ما يمزق نفسه، بركان خامل بداخله لهبٌ يحاول الانتصار على نفسه والظفر بتدمير ما يشقيه، ولما لم يستطع الصمود مع كل تلك المشاعر المتضاربة والمتتالية دفعة واحدة أجهش بالبكاء، لأول مرةٍ في هذا العمر يجهش بالبكاء واستمر على حالته مدة من الزمن حتى استنفذ كل ما يمزق دواخله وسكن من جديد، لم يكن من السهل تخطي ما مر به الأيام السابقة، لم يكن من الممكن التظاهر بتجاوز كل هذه المحن دفعة واحدة ولا حتى إجبار القلب والعقل على التظاهر أيضًا بشيء آخر، كان كالغريق الذي يحلم بسفينة تنتشله من بين فك الأسماك المفترسة وتلقي به على شاطيء الأمان مرة أخرى، لكنه كان يحلم، فقد غرق وغاص لأبعد من هذا وأصبح من الصعب العودة لشاطئه ثانية، ظل هكذا على حالته السيئة تلك حتى انتبه على دق باب غرفته فانتبه وقام على الفور بمسح أسفل عينيه والاعتدال بفراشه حتى لا يعلم أحد ما أصابه منذ تركوه.