فلسفة الروح الحرة - نيكولاي بيرديايف
فلسفة الروح الحرة - نيكولاي بيرديايف
فلسفة الروح الحرة
تأليف: نيكولاي بير ديايف
قال يوسف نبيل في تصريحات خاصة لــ"الدستور": إذا كانت الروح الروسية - كما عهدناها في الأعمال الأدبية - تنحو إلى الانقلابات؛ فلا بد أن نيكولاي بيرديايف يمثل هذه الروح الروسية بامتياز، في شبابه كان ينتمي إلى جماعات اشتراكية، تأثر بهذا الفكر بشدة، ويتعرض للطرد من الجامعة عقابًا له على أنشطته الثورية، ثم ينحو كلية إلى الفلسفة الوجودية، ويعود إلى المسيحية بعد أن يصير واحدًا من أهم وأشهر الفلاسفة الوجوديين.
وتابع "نبيل": في كتابه «فلسفة الروح الحرة» يواصل بيرديايف دفاعه المستميت عن حرية الفرد، وطبيعة الروح والتجربة الدينية، مبتعدًا تمامًا عن الفكر الكنسي التقليدي، يقدم هذا الكتاب صورة شاملة عن أفكاره بشأن الحرية والطبيعة الإنسانية وفحوى التجربة الصوفية، كما يتطرق إلى الفلسفة الرمزية والغنوصية.
واختتم مؤكدا: "فلسفة الروح الحرة"، بمثابة مدخل رائع إلى عالم بيرديايف الذي يتكئ على الفلسفة الوجودية من جهة، والمسيحية من جهة أخرى، كما أن قراءته تُحفز التفكير في قضايا كثيرة مفصلية، وسواء اتفق القارئ مع أفكاره أم اختلف معها، سيجد نفسه في غالب الأمر متورطًا في عالمه، إما بالغوص إلى أعماقه، وإما بمحاولة الفرار من أسره.
ومما جاء في كتاب "فلسفة الروح الحرة" نقرأ: لا تتأسس فكرة الجحيم على القضاء والعقاب الإلهيين، ولا على فكرة العدالة كما نراها عند القديس توما الأكويني، بل على الحرية الإنسانية. لا يمكن لله أن يُخلِّص الإنسان ويُدخله جنته قسرًا. الله لا يريد الاعتداء على الحرية الإنسانية. يمكن للإنسان أن يُفضِّل طوعًا العذاب خارج كيان الله على النعيم في الله؛ فلديه نوع من الحق في الجحيم! إنه الجحيم النفسي. الجحيم هو استحالة محبة الله إثر توجُّه الحرية الإنسانية وكراهية الله والانفصال عنه والانغلاق في الذات.
وُلِدت فكرة العذابات الأبدية للجحيم من هذه التجربة التي صار بفعلها كل عذاب جهنمي نعايشه في هذه الحياة يبدو لنا أبديًّا. لم يكن العذاب غير الأبدي ليبدو عذاب الجحيم. الجحيم لا نهائي وكراهية غير محدودة. يكمن هذا العذاب الأبدي في لحظة، وليس في حاجة إلى فترة طويلة لنعايشه. التعليم الوجودي المتجاوز الخاص بالجنة والجحيم هو مجرد تجسيد للخبرة والطريق الروحيين في فئات العالم الطبيعي، وهو تعليم طبيعي. التعليم الخاص بعذابات الجحيم هو نتاج تلك الحقبة البربرية والقاسية التي رأى فيها البشر أنهم يؤكدون العدالة بالإعدامات ومحاكم التفتيش والعقوبات القاسية. فكرة الجحيم والجنة هي تصور عن الحياة الروحية كأنها موجودة داخل مجالات طبيعية. يمتلئ جحيم دانتي بعناصر قبل مسيحية، طبيعية وثنية.
لكن على دراسة الأخرويات أن تتحرر من المذهب الطبيعي، وتُعبِّر عن أفكارها بمصطلحات الحياة الروحية. نحن نفهم الحياة الروحية بصورة حركية إبداعية. هنا نجد اختلافًا كبيرًا في فهم مسألة وجود ملكوت الله وحقيقة المسيح. ملكوت الله ليس وجودًا طبيعيًّا، وكذلك هو الجحيم. ملكوت الله هو حياة الروح. الجحيم هو تجربة روحية خالصة وطريق روحي. الجحيم هو عدم تبين الطريق الروحي واستحالة تبدو أبدية ولا نهائية. الجحيم هو مأساة الحرية الإنسانية.